رغم كل التوقعات المتشائمة التي سادت مطلع العقد الحالي، يبدو أن محركات الاحتراق الداخلي ما زالت ترفض الخروج من المشهد. فقبل سنوات قليلة فقط، بدا وكأن مستقبل صناعة السيارات محكوم بالكامل بالكهرباء، مع جداول زمنية صارمة وضعتها الشركات والحكومات للانتقال الكامل إلى السيارات الكهربائية. لكن الواقع في 2024 و2025 كشف عن تحوّل واضح أعاد محركات البنزين والديزل إلى الواجهة من جديد.
السنوات الأخيرة شهدت تباطؤًا ملحوظًا في نمو مبيعات السيارات الكهربائية في بعض الأسواق، خصوصًا الولايات المتحدة، مع تراجع الحوافز الحكومية وارتفاع التكاليف. في المقابل، لا تزال السيارات الكهربائية قوية الحضور عالميًا، ومن المتوقع أن تمثل قرابة 25% من إجمالي السوق بنهاية العام، أي أكثر من 20 مليون سيارة. ومع ذلك، أدركت الشركات أن التحول الكامل والسريع قد لا يكون واقعيًا، ما فتح الباب أمام إعادة تقييم مستقبل محركات الاحتراق.
شركة جنرال موتورز قدمت مثالًا صارخًا على هذا التحول، إذ استثمرت 888 مليون دولار في مصنع Tonawanda بمدينة بوفالو للحفاظ على محركات V8 الشهيرة، في أكبر استثمار لها على الإطلاق في منشأة واحدة مخصصة لمحركات الوقود. ويأتي ذلك بعد سنوات قليلة فقط من ضخ مليارات الدولارات في منصة ألتيم الكهربائية.
وبالمثل، ضخت كرايسلر استثمارات تتجاوز 13 مليار دولار في الإنتاج الأمريكي، مع تركيز واضح على تطوير محركات الاحتراق، ما أسفر عن عودة محركات هيمي إلى شاحنات رام وإحياء طرازات تعمل بالبنزين كانت مهددة بالاختفاء.
في أوروبا، حيث القيود البيئية أشد صرامة، لجأت شركات التوريد إلى حلول أكثر إبداعًا. شركة Horse Powertrains، المملوكة لمجموعة جيلي، كشفت عن محرك C15 الهجين المدمج، الذي يجمع بين محرك كهربائي ومولد ونظام تبريد في وحدة صغيرة للغاية. هذا المحرك لا يركز على الأداء بقدر ما يركز على المرونة، إذ يمكن تشغيله بأنواع وقود متعددة تشمل البنزين والوقود الصناعي.
العوامل السياسية أسهمت بقوة في هذا التحول. ففي الولايات المتحدة، أعاد الرئيس دونالد ترامب إلغاء أهداف التوسع الإجباري في السيارات الكهربائية، وأوقف الحوافز الضريبية، ما منح شركات السيارات مساحة أكبر لمواصلة تطوير محركات الاحتراق. وفي أوروبا، خفف الاتحاد الأوروبي حظر 2035، ما سمح باستمرار تطوير السيارات الهجينة وما بعد الهجينة.
محركات الاحتراق الداخلي لم تعد وحدها مستقبل الصناعة، لكنها بالتأكيد ليست ماضيًا منتهيًا. المرحلة القادمة ستكون مزيجًا معقدًا من البنزين والكهرباء والهجين، حيث تحاول الشركات استغلال كل سنة إضافية قبل التحول الكامل.
ويرى أنصار السيارات الكهربائية أن هذه العودة ليست إلا “تأجيلًا حتميًا”، بينما يعتبرها آخرون تصحيحًا لمسار متسرع لم يراعِ اختلاف الأسواق والبنية التحتية عالميًا.
إن بقاء محركات الاحتراق ليس تحديًا للتقنية الكهربائية، بل فرصة لمرحلة انتقالية أكثر نضجًا وواقعية، توازن بين الابتكار، والطلب الاستهلاكي، والاعتبارات الاقتصادية والسياسية.