لكل قصة في التاريخ خبايا وكواليس لا يعلمها الكثيرون وتفاصيل متشابكة قد يعجز العقل عن فهمها، وإذا نظرنا لعالم السيارات بدقة، سنجد أن التاريخ لا يقتصر على المكسب والخسارة وأرقام المبيعات والتفوق في السباقات بل هناك صراعات ومشاحنات حدثت بين أكبر الكيانات راحت أرواح بعض القياديين في سبيلها ومن بينها جورج بيس، الرئيس التنفيذي السابق لرينو الفرنسية.
تعود بيس على الرجوع إلى منزله الواقع بمنطقة مونبارناس الفخمة بباريس في تمام الساعة 8:25 مساءً ووأثناء ما كانت ابنته تقف أمام النافذة منتظرةً عودته، وصل بيس أمام منزله وترجل سائق السيارة ليفتح له الباب وإذ يفاجأ بشخص ملثم يطلق عليه أربعة طلقات نارية ليلقى حتفه في 17 نوفمبر 1986.
أشارت إدعاءات شهود العيان لقيام رجل مقنع واحد بالعملية بينما لم تذكر التحقيقات طريقة هروبه أو صير السائق الخاص بالقتيل، وبعد مرور ثلاثة أشهر أعلنت جماعة انفصالية فرنسية باسم أكسين ديريكت مسؤوليتها الكاملة عن العملية والغريب أن الاتهام وجه بشكل رئيسي لسيدتين ولم يتم ذكر أي رجل وراء العملية.
تلقت الشرطة الفرنسية جواباً مكتوباً من السيدتين المتهمتين وتم فيه الاعتراف بالجريمة وتوضيح الدافع ورائها الذي تمثل في السعي للانتقام من تسريح 21 ألف موظف بهدف تمويل شركة إيه ام سي الأمريكية، أكبر كيان أمريكي وسط صناعة السيارات في عصر الخمسينيات والذي تكون من تحالف بين شركتي ناش وكايزر، وكانت تسعى رينو بالثمانينيات للاستحواذ على أكبر نسبة منها.
تعود بداية التعاون بين الشركتين إلى السبعينيات، عندما ضربت أزمة البترول السوق الأمريكي ما أدى لانهيار مبيعات سيارات العضلات ذات المحركات الكبيرة والدفع الخلفي ما أدى لتوقف عدة شركات عن العمل، مثلت هذه الأزمة فرصة لبدء ظهور الطرازات اليابانية الاقتصادية ذات الدفع الأمامي في أمريكا، وكذلك رينو المملوكة بالنسبة الأكبر من الدولة الفرنسية، رأت في هذا الموقف إمكانية للدخول بطرازاتها الصغيرة لذلك عقدت شراكة مع إيه ام سي استهدفت في بدايتها الاقتصار على تبادل الخبرات ومن ضمن الأسباب التي شجعت الشركة الأمريكية على هذا التعاون عدم استفادتها من الدعم الحكومي الذي قدمته أمريكا للعديد من الشركات حينها رغم النجاحات التي حققها عدد كبير من طرازاتها ومنها سيارات جيب التي اندرجت تحتها خلال ذلك الوقت.
بدت الشركة في بدايتها وكأنها موقف مكسب لكلا الطرفين يمكن الفرنسيين من المنافسة بأمريكا ويساعد السوق أيضاً على إيجاد بدائل لطرازات اليابانية، وبالفعل بدأ عمل بين الشركتين وفي 1978 رفعت رينو استثماراتها في إيه ام سي بشكل كبير وزاد التأثير الفرنسي على سيارات الشركة وكان التوجه نحو إنتاج سيارات بمواصفات شبيهة لتلك الفرنسية ولكن على خطوط الإنتاج الأمريكية وهنا ظهر التصادم بين الثقافتين عندما تزايدت أعداد الفرنسيين في مقرات إيه ام سي ومجلس الإدارة، يذكر أن كرايسلر تدخلت في هذه المرحلة لتنظيم التواصل بين الأمريكيين والفرنسيين لخبراتها السابقة مع شركة سيمكا الفرنسية، عبر إنشاء قسم خاص بالترجمة من الفرنسي للإنجليزي والعكس لمراجعة جميع المستندات وشرح كل ما يقال في الاجتماعات بجانب تنظيم دروس ليلية من أجل تعليم الموظفين الأمريكيين اللغة الفرنسية واستخدامهم للتجسس على زملائهم الأجنبيين ما أشار لانعدام الثقة بين الطرفين.
في هذه الحقبة الزمنية، تم تقديم أول رينو يتم تصنيعها في أمريكا ورغم حصولها على عدة جوائز عالمية، إلا أن الحظ لم يحالفها في السوق الأمريكي بل وتعرضت AMC خلال تلك الفترة لخسائر كبيرة أجبرتها على قبول استحواذ رينو على قدر أكبر من أسهمها، في 1980 قدرت نسبة رينو في الشركة الأمريكية بـ22.6% والتي ارتفعت تدريجياً إلى 46.5%، أدى ذلك لتوتر أكبر بين الشركتين، التجسس يتزايد والثقة غابت تماماً عن الصورة للدرجة التي دفعت جورج بيس إجراء مفاوضات مع كرايسلر في 1986 لبيع حصة رينو بـAMC ولكن عندما فكر في الأمر مجدداً، وجد أن ذلك يمكن ألا يكون القرار الأفضل وأمن بقدرة علامة جيب التابعة للمجموعة على إصلاح الوضع إذ كانت تستعد لإطلاق جراند شيروكي لذا طلب منهم إيقاف المفاوضات بشكل مؤقت، سبقت هذه الأحداث عملية اغتياله بفترة قصيرة.
مثلت هذه الحادثة نهاية رينو بأمريكا وكذلك إيه ام سي التي تم القضاء عليها باستحواذ شركة كرايسلر على علامة جيب التي قامت بتنميتها بشكل كبير وتأخر تقديم جيل جراند شيروكي الأول إلى 1993 بينما أصبحت فيما بعد إحدى أهم سيارات العلامة.
شاهد كل التفاصيل التي حصلنا عليها عن الاغتيال في الحلقة الأولى من ألغاز وأسرار عالم السيارات من خلال النقر على الصورة الرئيسية أعلاه أو على الرابط أدناه.
نشات على حب المحركات وقررت تحويل شغفي لعملي الأساسي, أرى الشخصيات الحقيقية وراء السيارات واسعى لتقديم محتوى جاذب لمختلف محبيها