في زمنٍ أصبحت فيه الشاشات اللمسية جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، بدأت صناعة السيارات تعيد النظر في قرارها بالتخلي عن الأزرار الفيزيائية داخل المقصورة. تمامًا كما استقبل العالم أول هاتف آيفون بتشككٍ وسخرية من استغنائه عن لوحة المفاتيح، تبنّى عالم السيارات الشاشات اللمسية بحماسة، خاصة بعد أن قدّمت تسلا هذا المفهوم في طراز موديل S. لكن بعد سنوات من الاعتماد الزائد على هذه التقنية، بدأ السائقون وخبراء السلامة يدقون ناقوس الخطر.
فالدراسات كشفت أن السائقين يقضون ما يقارب 40 ثانية لتأدية وظائف بسيطة عبر الشاشات، مما يرفع خطر الحوادث بشكل كبير. هذا التوجه دفع المنظمات الأوروبية، مثل NCAP، لتحديث معايير السلامة وفرض عودة الأزرار للتحكم بالوظائف الأساسية مثل الإشارات والمصابيح وخاصية الإنقاذ. اعتبارًا من 2026، فلن تحصل السيارات على تقييم خمس نجوم في أوروبا دون هذه المعايير.
تزايدت الشكاوى من العملاء في أوروبا والولايات المتحدة بسبب التعقيدات التي فرضتها الشاشات اللمسية، ما أجبر شركات كبرى على التراجع. فولكس فاجن مثلًا واجهت موجة من الانتقادات في 2020 بعد إطلاقها طرازات ID.3 وID.4. الرئيس التنفيذي الجديد، توماس شافير، اعترف بأن "التحكم باللمس أضر كثيرًا بتجربة العملاء"، وأعلن عودة الأزرار تدريجيًا إلى سيارات الشركة.
هيونداي وبورشه ساروا في نفس الاتجاه، مؤكدين أن التغذية الراجعة من المستخدمين دفعتهم لإعادة النظر. وبورشه هي الأخرى، حرصت في تصميم كايين الجديدة على تضمين أزرار فعلية للتحكم بالمناخ، استنادًا لدراسات أُجريت حول العالم، بما في ذلك السوق الأمريكية.
رغم أن بعض الشركات مثل تسلا ما تزال تصر على الشاشة كوحدة تحكم رئيسية، فإن الاتجاه العام في الصناعة يميل إلى الموازنة بين التقنية والراحة. فالشاشة تظل مفيدة في عرض الخرائط والكاميرات والوظائف الثانوية، لكن الأزرار لا غنى عنها للوظائف التي تحتاج إلى تفاعل فوري أثناء القيادة.
حتى في الصين، مع انتشار الشاشات بشكل هائل، لم تظهر مقاومة كبيرة حتى الآن، لكن الزمن كفيل بكشف رد فعل المستخدمين. وفي ظل تصاعد الانتقادات على وسائل التواصل الاجتماعي، يتضح أن الأزرار ليست موضة قديمة، بل ضرورة يعاد اكتشافها.
عودة الأزرار ليست تراجعًا عن التقنية، بل خطوة ذكية نحو قيادة أكثر أمانًا وراحة. إن التوازن بين الابتكار والاستجابة لحاجات المستخدمين هو مفتاح النجاح لأي شركة، ونتوقع أن تتضمن السيارات مستقبلاً مزيجًا مثاليًا بين اللمس والتفاعل الفيزيائي.