أعلنت فورد مؤخراً عن دمج مشروعها الطموح FNV4 - الذي كان يهدف إلى تطوير بنية إلكترونية جديدة لسياراتها - مع المنصة الحالية FNV3، مما يؤكد فشل المشروع في بلوغ أهدافه. هذا الإعلان ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من المحاولات المتعثرة التي تبذلها شركات السيارات التقليدية للانتقال إلى مفهوم "المركبات المعرفة برمجياً" أو Software-Defined Vehicles (SDVs).
لكن لماذا هذا الإصرار؟ لأن السيارات المعرفة برمجياً توفر إمكانيات هائلة: تقليل التكاليف، مرونة أكبر في التحديث، وتسريع دورة التطوير. ومع ازدياد تعقيد السيارات الحديثة واعتمادها الكامل على البرمجيات، أصبح واجهتها الرقمية السلسة ضرورة لا يمكن التنازل عنها.
ورغم مليارات الدولارات التي ضختها شركات مثل فورد، جنرال موتورز، وفولكس فاجن في هذا التحول، إلا أن أياً منها لم يتمكن من الوصول إلى SDV مكتمل بعد.
قبل تسلا، كانت كل وظيفة في السيارة تُدار بوحدة تحكم إلكترونية منفصلة (ECU) يتم تطويرها عبر مورّدين خارجيين، وتتواصل مع بقية الوحدات عبر شبكة "CAN" المحدودة. تحديث البرمجيات كان يتم فقط عبر الوكلاء ولأسباب قهرية.
أما تسلا، فقد صممت أولى سياراتها مثل موديل S لتكون قابلة للتحديث اللاسلكي منذ البداية، مستخدمة حاسوباً مركزياً يُدير معظم الأنظمة. هذا التصميم قلل من الأسلاك، خفّض التكاليف، وسمح بتحسين السيارة بعد بيعها.
وأحد الأمثلة الشهيرة هو تحديث نظام المكابح في موديل 3 عبر الهواء بعد نتائج اختبار سيئة من "كونسيومر ريبورتس"، وهو إنجاز لم يكن متاحاً لأي شركة أخرى حينها. لكنه أيضاً فتح الباب لمشكلة: هل تم إطلاق السيارة ببرمجيات ناقصة عمداً اعتماداً على تحديثات لاحقة؟
وهذا هو التحدي الحقيقي لـ SDVs: التوازن بين المرونة التقنية والمسؤولية في التسليم.
التحول إلى SDV يتطلب إعادة صياغة ثقافة هندسية بأكملها. شركات مثل فورد وجنرال موتورز لطالما تعاملت مع البرمجيات كأداة خدمية جامدة، لا كمنتج ديناميكي يتطور باستمرار.
التحول لا يعني فقط تغيير البرمجيات، بل يتطلب تطوير منصات كهربائية جديدة، تصميم تطبيقات ذكية، دمج التحديثات عبر الهواء، وضمان أمان إلكتروني صارم. والأسوأ من ذلك؟ عليهم القيام بكل ذلك لسيارات كهربائية واحتراق داخلي في آنٍ واحد.
فلم توفق فولكس فاجن عبر ذراعها البرمجي "كارياد"، وتأخرت فورد في إطلاق منصتها، في حين عانت جنرال موتورز من مشاكل ضخمة في سيارات مثل هامر EV وكاديلاك ليريك. أما الشركات اليابانية والكورية، فلا تزال متأخرة جيلاً أو اثنين، وفقاً للمحللين.
السبّاقون الحقيقيون هم من بدأوا من الصفر: تسلا، ريفيان، لوسيد، والصينيون. أما الشركات التقليدية، فهي تتخبط في محاولة اللحاق بركب المستقبل، بعضها يتقدم مثل جنرال موتورز، والبعض الآخر يتراجع مثل فولكس فاجن.
والمعركة لم تُحسم بعد، لكن من ينجح في التحول إلى شركة برمجيات حقيقية سيحكم مستقبل الصناعة. الطريق شاق، لكنه ضروري لعالم سيارات أكثر كفاءة، أماناً، وتطوراً.
المستقبل لن يرحم الشركات التي ترفض التحول، والنجاح سيكون من نصيب من يستطيع الدمج بين السرعة، الأمان، والجرأة في التغيير. وحتى الآن، أثبتت تسلا أن البرمجيات ليست مجرد مكون، بل العمود الفقري للمركبة الحديثة.