عندما يُذكر تاريخ رياضة السيارات، غالبًا ما تتردد أسماء السائقين الرجال في صدارة المشهد، لكن خلف هذا الستار المزدحم بالمحركات والدخان، سطع نجم امرأة قادها شغفها نحو السرعة والكتابة لتصبح أيقونة لا تُنسى في عالم المحركات والصحافة معًا. إنها دينيس ماكلاجيج، المرأة التي لم تكتفِ بأن تكون شاهدة على سباقات السيارات، بل دخلت المضمار بقلمها أولًا وعجلة قيادتها ثانيًا، لتصبح صوتًا جريئًا وسبّاقة في كسر الصور النمطية.
من صفحات الجرائد إلى حلبات السباق، ومن قيادة إم جي الكلاسيكية إلى تحقيق الانتصارات في سباقات التحمل الأسطورية، حققت دينيس ماكلاجيج معادلة نادرة جمعت بين الحضور القوي خلف المقود واللغة الساحرة بين السطور. قصتها ليست مجرد سيرة ذاتية، بل شهادة حيّة على أن الشغف لا يعترف بجنس أو قيود.
نغوص اليوم في رحلة هذه السيدة الجريئة التي غيرت وجه الصحافة الرياضية النسائية وأثبتت أن روح التحدي يمكن أن تقودك من الهامش إلى قلب الساحة.
وُلدت دينيس ماكلاجيج في 20 يناير 1927 في إل دورادو، كانساس بالولايات المتحدة الأمريكية، وبرزت منذ صغرها بشغفها بالمغامرة والرياضة. تخرجت بمرتبة الشرف Phi Beta Kappa من كلية ميلز في أوكلاند، كاليفورنيا، عام 1947، وبدأت مسيرتها المهنية كصحفية في صحيفة "سان فرانسيسكو كرونيكل"، حيث غطّت مواضيع متنوعة من الرياضات الخطرة مثل التزلج والقفز بالمظلات إلى رياضة السيارات الناشئة آنذاك.
وفي خمسينيات القرن الماضي، اقتحمت ماكلاجيج عالم السباقات بسيارتها MG-TC، متحدية القيود المفروضة على النساء في هذا المجال. حيث أقنعت رؤسائها بأنها تستطيع تغطية السباقات بشكل أفضل كمشاركة، مما أدى إلى ابتكارها لنمط جديد من الصحافة الرياضية التشاركية.
وانتقلت إلى نيويورك عام 1954 للعمل في "نيويورك هيرالد تريبيون"، حيث استبدلت سيارتها إم جي بسيارة جاكوار XK140 وبدأت تتسابق بشكل احترافي. وقد شاركت في سباقات مرموقة مثل سباق سيبرينغ 12 ساعة، حيث فازت بفئة GT عام 1961 بسيارة فيراري 250 GT، واحتلت المركز الخامس في سباق الجائزة الكبرى في واتكنز جلين عام 1960، وفازت في رالي مونتي كارلو عام 1964 بسيارة فورد فالكون.
لم تقتصر مساهمات ماكلاجيج على السباقات؛ فقد كانت كاتبة موهوبة ومؤثرة. فشاركت في تأسيس مجلة "أوتوويك" عام 1958، وكتبت عمودًا أسبوعيًا بعنوان "Drive, She Said" نُشر في أكثر من 90 صحيفة في الولايات المتحدة وكندا. كما ألّفت عدة كتب، منها "The Centered Skier" و"By Brooks Too Broad for Leaping"، والتي جمعت فيها مقالاتها من "أوتوويك".
وقد حصلت ماكلاجيج على العديد من الجوائز، منها جائزة كين دبليو. بوردي للتميز في الصحافة السياراتية وجائزة دين باتشلور للإنجاز مدى الحياة. وفي عام 2001، أصبحت أول صحفية تُدرج في قاعة مشاهير السيارات، وتبعها إدراجها في قاعة مشاهير نادي السيارات الرياضية الأمريكية عام 2006.
وتوفيت دينيس ماكلاجيج في 6 مايو 2015 في سانتا في، نيو مكسيكو، عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركة وراءها إرثًا غنيًا في عالم السيارات والرياضة والصحافة.
تُعتبر دينيس ماكلاجيج رمزًا للتحدي والإبداع، حيث كسرت الحواجز في عالم كان يهيمن عليه الرجال، وأثبتت أن الشغف والإصرار يمكن أن يفتحا الأبواب أمام التغيير والتقدم. فإرثها لا يزال يلهم الأجيال الجديدة من النساء في مجالات السباقات والصحافة، مؤكدة أن الطريق إلى النجاح يبدأ بالإيمان بالنفس والتمسك بالأحلام.