في زمنٍ كان فيه الجلوس خلف عجلة القيادة يُعدّ من المحرمات على النساء، برزت شخصية استثنائية كسرت القوالب النمطية وغيّرت مجرى تاريخ السيارات والمرأة معًا. إنها دوروثي ليفيت، المرأة التي لم تكتفِ بقيادة السيارات، بل قادَت ثورة اجتماعية وتقنية في بدايات القرن العشرين. بمزيج من الجرأة والمعرفة، أصبحت رمزًا للتحدي والتقدم، وأول من علّم النساء كيف يقدن سياراتهن بثقة.
ولدت دوروثي ليفيت عام 1882 في لندن، ووجدت شغفها المبكر في عالم لا يشبهها: عالم المحركات. ففي عام 1903، دخلت عالم سباقات السيارات كمتسابقة لصالح شركة Napier البريطانية للسيارات. وقد أبهرت الجميع عندما حققت سرعة بلغت 91 ميلاً في الساعة (146 كيلومتر في الساعة) في عام 1906، لتُلقب حينها بـ"أسرع امرأة في العالم".
وكان فوزها في سباق السيارات الساحلية "برايتون سبيد تريال" عام 1905 إنجازًا تاريخيًا، ليس فقط لأنها تفوقت على العديد من الرجال في زمن كانت القيادة فيه حكرًا عليهم، بل لأنها كسرت حاجز الخوف، وأثبتت أن المهارة لا تميّز بين رجل وامرأة.
لم تكتفِ دوروثي بالقيادة فحسب، بل كانت رائدة في تعليم النساء قيادة السيارات. ففي عام 1909، نشرت كتابًا بعنوان: "المرأة والسيارة: دليل بسيط للتشغيل والعناية بالسيارة"، وهو يُعدّ أول دليل قيادة يُكتب خصيصًا للنساء. في هذا الكتاب، شجّعت النساء على الاستقلال والتنقل، وقدّمت نصائح ميكانيكية وعملية شاملة بلغة سلسة ومباشرة.
ومن المفارقات التي تُثبت بعد نظرها، أنها اقترحت على النساء الاحتفاظ بمرآة صغيرة في حقيبة اليد لفحص الطريق خلفهنّ أثناء القيادة. ورغم أن الهدف كان وظيفيًا، إلا أن فكرتها تلك مهّدت الطريق لاعتماد المرآة الخلفية في السيارات الحديثة، والتي لم تُعتمد رسميًا إلا بعد أكثر من عشر سنوات.
لم تكن دوروثي ليفيت متسابقة فقط، بل كانت رمزًا نسويًا، وصوتًا تقدميًا سابقًا لعصره. فقد تحدّت كل الأعراف الاجتماعية التي حصرت المرأة في أدوار تقليدية، وأثبتت أن للنساء مكانًا في ميكانيكا القيادة، والهندسة، والتسابق.
لقد ألهمت أجيالًا من النساء للانطلاق نحو عجلة القيادة، ليس فقط بمعناها الحرفي، بل بقيادة حياتهنّ المهنية والشخصية. وما زال اسمها حاضرًا في النقاشات حول مساهمة النساء في عالم السيارات، والميكانيكا، ورياضة المحركات.
والآن، تُعدّ دوروثي ليفيت واحدة من أعظم الشخصيات التي غيرت شكل الصناعة بطرق تتجاوز حدود السيارات نفسها. فهي ليست مجرد سائقة سباقات؛ إنها مبدعة ومعلّمة، وناشطة اجتماعية متقدمة على زمنها. وقصتها ليست فقط عن السرعة، بل عن الجرأة في مواجهة التقاليد، وعن قيادة التغيير قبل أن يكون شائعًا.