قد لا يكون اسم كاثرين بلودجيت مألوفًا لكثيرين، لكنه يرتبط مباشرة بإحدى أبرز الابتكارات التي ساهمت في تقدم العديد من الصناعات، لا سيما صناعة السيارات. وُلدت بلودجيت عام 1898 في ولاية نيويورك، وكانت أول امرأة تحصل على درجة الدكتوراه في الفيزياء من جامعة كامبريدج، وهو إنجاز بحد ذاته في زمن لم يكن للنساء فيه حضور كبير في العلوم والهندسة.
وقد التحقت بلودجيت بشركة "جنرال إلكتريك" (GE) في أوائل العشرينيات، حيث عملت مع الفيزيائي الشهير إيرفينغ لانغموير، الحائز على جائزة نوبل. ومن خلال أبحاثها المتميزة في علم الأغشية الرقيقة والفيزياء البصرية، تمكنت من تطوير تقنية الطلاء غير العاكس، والتي أحدثت نقلة نوعية في العديد من التطبيقات، من عدسات الكاميرات إلى نوافذ الطائرات .. والأهم: زجاج السيارات.
الابتكار الأبرز الذي قدمته بلودجيت للعالم تمثّل في تطوير أول زجاج غير عاكس في التاريخ عام 1938، وهو طلاء فائق الرقة يتم وضعه على الزجاج لتقليل الانعكاسات والوهج الضوئي. هذا الاكتشاف لم يكن فقط ثوريًا في مجال البصريات، بل أثّر بشكل مباشر على صناعة السيارات التي كانت في أوج تطورها في تلك الحقبة.
قبل هذا الابتكار، كان السائقون يعانون من الوهج الشديد المنبعث من الشمس أو المصابيح الأمامية للمركبات المقابلة، ما تسبب في انخفاض الرؤية واحتمال وقوع الحوادث. وبفضل تقنية بلودجيت، أصبح من الممكن تقليل هذا الوهج وتحسين الرؤية، مما زاد من مستويات الأمان على الطرق.
كما استُخدم الطلاء غير العاكس في الزجاج الأمامي ولوحات العدادات داخل السيارات، مما وفّر بيئة قيادة أكثر راحة، وساهم لاحقًا في تحسين تجربة مستخدمي أنظمة الملاحة والشاشات الرقمية داخل المركبات الحديثة.
رغم أن بلودجيت لم تحظَ بنفس الشهرة التي نالها علماء آخرون في القرن العشرين، فإن مساهماتها شكلت أساسًا للكثير من التقنيات الحديثة التي نأخذها اليوم كأمر مُسلَّم به. فمن تطبيقات الطلاء غير العاكس في السيارات إلى استخدامه في الشاشات، والنظارات، والكاميرات، وحتى الأقمار الصناعية، يظل إرثها العلمي مؤثرًا بشكل لا يُصدق.
وتعد كاثرين بلودجيت أيضًا مثالًا حيًا على قوة الإبداع النسائي في ميدان كان ولا يزال يُهيمن عليه الرجال إلى حد كبير. لقد أثبتت أن العقول اللامعة لا تحدّها التقاليد أو النوع الاجتماعي، وأن تأثير الاختراعات قد يمتد لعقود بعد وفاة أصحابها، فقد رحلت بلودجيت عام 1979، لكن إنجازها لا يزال يضيء الزجاج الذي ننظر من خلاله حتى يومنا هذا.
بلودجيت لم تُصمم محركات، ولم تبتكر هيكل سيارة، لكنها جعلت القيادة أكثر أمانًا وراحة. هذا النوع من الابتكارات "الخفية" هو ما يشكل الفرق الحقيقي في التجربة البشرية اليومية، ويستحق أن يُروى وأن يُحتفى به أكثر.