في عالم الابتكار التكنولوجي، غالبًا ما يبرز أسماء المخترعين الرجال، لكن هناك نساء قدمن إسهامات جوهرية غيّرت طريقة استخدامنا للسيارات. وشارلوت بريدجوود هي واحدة من هؤلاء الرائدات، حيث كانت وراء تطوير أحد الابتكارات الأساسية التي نأخذها اليوم كأمر مسلّم به: المسّاحات الأوتوماتيكية للزجاج الأمامي.
ولدت شارلوت بريدجوود في أواخر القرن التاسع عشر، وهي فترة كانت تعاني فيها النساء من قيود اجتماعية صارمة تمنعهن من دخول مجالات مثل الهندسة والاختراع. لكن شارلوت، كسيدة قوية وطموحة، رفضت أن تبقى على الهامش. فقد كانت مهتمة بالمجالات التقنية، ولم تتوقف عند حدود العادات والتقاليد التي حصرت النساء في أدوار محددة.
ومع تزايد شعبية السيارات في أوائل القرن العشرين، بدأ السائقون يواجهون مشكلة خطيرة خلال القيادة تحت المطر أو الثلج، حيث كان عليهم التوقف باستمرار لمسح الزجاج يدويًا، مما زاد من مخاطر الحوادث. في تلك الفترة، ظهرت عدة محاولات لتطوير مسّاحات زجاج يدوية، لكن لم يكن هناك حل عملي وفعال.
في عام 1917، حصلت شارلوت بريدجوود على براءة اختراع للمسّاحات الأوتوماتيكية للزجاج الأمامي، والتي عُرفت باسم "Electric Storm Windshield Cleaner". وكانت هذه المسّاحات تعمل كهربائيًا بالكامل، ما جعلها أكثر كفاءة مقارنة بالمسّاحات اليدوية التي كانت مستخدمة في ذلك الوقت.
وكان نظام بريدجوود قائمًا على محرك كهربائي صغير يقوم بتشغيل المسّاحات تلقائيًا عند الحاجة، وهو ما يُعد الأساس الذي طُورت عليه المسّاحات الحديثة. وكانت هذه الفكرة بمثابة ثورة في عالم السيارات، حيث وفّرت للسائقين قيادة أكثر أمانًا، خصوصًا في الظروف الجوية الصعبة.
وكان اختراعها للمساحات الأوتوماتيكية يختلف ويتميز عن الحلول السابقة في كونها كهربائية بالكامل، مما ألغى الحاجة إلى التشغيل اليدوي. كما كانت أكثر كفاءة وسرعة في إزالة المطر والثلج مقارنة بالمسّاحات اليدوية. أما تصميمها فكان عملي يمكن تطبيقه على مختلف أنواع السيارات في ذلك العصر.
رغم أن اختراعها كان خطوة ثورية، إلا أن التقدير الذي تستحقه لم يُمنح لها. فكانت صناعة السيارات آنذاك خاضعة بالكامل لهيمنة الرجال، ولم يكن هناك اهتمام كبير باختراعات النساء. وللأسف، لم تتمكن شارلوت من تحقيق أرباح كبيرة من ابتكارها، ويرجع ذلك جزئيًا إلى نقص الاستثمار والتسويق.
وبعد فترة قصيرة، قامت شركات أخرى بتحسين فكرتها وتطويرها دون الاعتراف بجهودها، وهو ما جعل اسمها يختفي تدريجيًا من تاريخ الابتكارات في صناعة السيارات.
ورغم أن اسم شارلوت بريدجوود قد لا تكون معروفة على نطاق واسع اليوم، إلا أن اختراعها يشكل جزءًا لا يتجزأ من جميع السيارات الحديثة. فلا يمكنك أن تتخيل أي سيارة اليوم بدون المسّاحات الأوتوماتيكية، التي تطورت لاحقًا لتشمل تقنيات متقدمة مثل الاستشعار التلقائي للأمطار والتحكم في سرعة المسّاحات بناءً على الظروف الجوية.
في السنوات الأخيرة، بدأ الاعتراف بإسهامات النساء في مجال الابتكار، وأصبح اسم شارلوت بريدجوود يُذكر ضمن قائمة النساء الرائدات اللاتي قدمن اختراعات غيرت شكل الحياة اليومية.
قد تكون شارلوت بريدجوود قد عاشت في عصر لم يُعطِ للمرأة حقها في مجال الاختراع، لكنها استطاعت تغيير قواعد اللعبة بابتكارها. واليوم، ومع كل مرة تُشغّل فيها مسّاحات الزجاج أثناء المطر، فإننا نرى بصمة بريدجوود واضحة في كل سيارة على الطريق. فهي مثال رائع على أن الإبداع والتكنولوجيا لا يعترفان بالجنس، بل بالموهبة والإصرار.