على مر الأعوام، كانت هناك من السيدات اللاتي يمتلكن عقولًا أنارت الطريق في عديد من المجالات، ولا سيما مجال صناعة السيارات وتقنياتها، فإحداهن ساعدت في اختراع أول سيارة تعمل بمحرك بنزين، وأخرى اخترعت مدفأة السيارة، وثالثة ابتكرت الخطوط الفاصلة بين الحارات لتنظيم حركة المرور، ورابعة كان لها تأثير لا يُمحى في تصميم السيارات. ولكن السيدة التي سنتحدث عنها في السطور القادمة، نجد بصمتها في كل خطوة نخطوها في يومنا الحالي، فهي عالمة الرياضيات التي ابتكرت نظام تحديد المواقع، أو كما نعرفه بنظام الـ (GPS). إنها غلاديس ويست، من مواليد 27 أكتوبر 1930، ساذرلاند، فيرجينيا، بالولايات المتحدة، هي عالمة رياضيات أمريكية معروفة بعملها الذي ساهم في تطوير نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
ولدت غلاديس ماي براون في ريف فيرجينيا، حيث كان والداها يمتلكان مزرعة صغيرة في منطقة يسكنها في الغالب المزارعون. أثناء نشأتها، عندما لم تكن في المدرسة، أمضت الكثير من وقتها في المساعدة في حصاد المحاصيل في مزرعة الأسرة، وهي مهنة كانت تعلم أن العديد من أقرانها سيستمرون فيها حتى مرحلة البلوغ. ففي مجتمعها، كانت الخيارات الوحيدة الواضحة لمستقبل الفتاة داكنة البشرة هي الاستمرار في الزراعة أو العمل في مصنع لمعالجة التبغ.
لكن موهبتها في التعلم في المدرسة قدمت طريقًا آخر. بصفتها الطالبة المتفوقة في صف تخرجها من المدرسة الثانوية، حصلت غلاديس على منحة دراسية كاملة إلى كلية ولاية فرجينيا، حيث حصلت على شهادة في الرياضيات في عام 1952. وعادت لاحقًا للحصول على درجة الماجستير، لتتخرج منها في عام 1955.
بعد قضاء بعض الوقت في تدريس الرياضيات في مدارس فيرجينيا الخاصة بداكني البشرة، وبعد رفض تعينها في العديد من الوظائف في حكومة ولاية فرجينيا لحساب الرجال فاتحي البشرة. تم تعيين غلاديس في عام 1956 كعالمة رياضيات في مختبر Naval Proving Ground، وهو مختبر أسلحة في دالغرين، فيرجينيا.
في دالغرين، حظيت غلاديس ويست بالإعجاب لقدرتها على حل المعادلات الرياضية المعقدة يدويًا. وانتقلت في النهاية من حل تلك المعادلات بنفسها إلى برمجة أجهزة الكمبيوتر للقيام بذلك نيابة عنها. وفي عام 1978 تم تعيين ويست مديرًا لمشروع Seasat، وهو قمر صناعي أمريكي تجريبي لمراقبة المحيطات مصمم لتوفير بيانات حول مجموعة واسعة من الظروف والميزات الأوقيانوغرافية، بما في ذلك ارتفاع الأمواج ودرجة حرارة الماء والتيارات والرياح والجبال الجليدية والخصائص الساحلية. وكان هذا أول مشروع يوضح إمكانية استخدام الأقمار الصناعية لمراقبة البيانات الأوقيانوغرافية المفيدة.
ومن بين أعمال ويست على Seasat، جاء GEOSAT، وهو قمر صناعي مبرمج لإنشاء نماذج حاسوبية لسطح الأرض. من خلال تعليم الكمبيوتر حساب الجاذبية والمد والجزر والقوى الأخرى التي تؤثر على سطح الأرض، وقد أنشأت ويست وفريقها برنامجًا يمكنه حساب مدارات الأقمار الصناعية بدقة. أتاحت هذه الحسابات تحديد نموذج للشكل الدقيق للأرض، يسمى الجيود. وهذا النموذج بالتحديد هو ما تم تطويره والعمل عليه وتحديثه ليصبح في يومنا الحالي نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
وتواصلت انجازات غلاديس، ومثل علماء الرياضيات في وكالة ناسا كاثرين جونسون، ودوروثي فوغان، وماري جاكسون، غالبا ما يطلق على ويست واحدة من "الشخصيات الخفية" في التاريخ، وهم الذين لم يتم الاعتراف بمساهماتهم الثاقبة في العلوم في عصرهم بسبب عرقهم أو جنسهم. ولكن في عام 2018، تم تكريم غلاديس ويست رسميًا لمساهمتها في تطوير نظام تحديد المواقع (GPS) من قبل الجمعية العامة لفيرجينيا. وفي العام نفسه، تم إدراجها أيضًا في قاعة مشاهير رواد الفضاء والصواريخ بالقوات الجوية وتم اختيارها كواحدة من أعظم 100 امرأة لعام 2018 من هيئة الإذاعة البريطانية، وهي قائمة مصممة لتكريم النساء الملهمات في جميع أنحاء العالم.
يُعتقد أن سيارة جالاواي هي إحدى أولى المرات في التاريخ التي يتم فيها تصنيع سيارة مع وضع النساء في الاعتبار على وجه التحديد. وقد قامت المهندسة دوروثي بولينجر ومساعديها بذلك في وقت كان فيه عالم الهندسة حكراً على الرجال. دوروثي التي تم إدخالها في قائمة "مشاهير الهندسة الاسكتلندية" في العام 2012 اعترافًا بمساهمتها الهندسية المؤثرة في عالم صناعة السيارات. لذا، في السطور القادمة سنتعرف على دوروثي بولينجر وقصة كفاحها.
في 9 يونيو 1909، في ظل هطول أمطار غزيرة على مدينة نيويورك، تجمع حشد من المصورين في برودواي لالتقاط صور لـ "سيارة" وأربع سيدات بداخلها على وشك كتابة التاريخ. كانت السيارة نفسها طراز ماكسويل DA طراز 1909 ذات لون أخضر داكن، محتضنة محرك بأربع أسطوانات وقوة 30 حصان. وهي سيارة تورينج بمقعدين وسقف قابل للكشف. لكن الكاميرات ركزت اهتمامًا خاصًا على المرأة التي تجلس في مقعد السائق، وهي أليس رمزي، أول سيدة قامت برحلة قيادة برية متواصلة عبر مقاطعات أمريكا، وهي محور حديثنا اليوم.
عندما طورت مارجريت أ. ويلكوكس مدفأة السيارة، فعلت ذلك في عصر كان فيه العمل كمهندسة ميكانيكية أمرًا نادرًا، وكان الأمر حتى أكثر صعوبة بالنسبة للمرأة. لذا في كل مرة تقوم فيها بتدفئة أطرافك الجليدية خلف عجلة القيادة في يوم شتوي بارد، يجب أن تتذكر بشكر وعرفان المهندسة ويلكوكس. في السطور القادمة سنأخذكم في رحلة سريعة نلقي بها الدور على أهم مراحل حياتها وإسهامها في تطوير تكنولوجيا السيارات.
شارك
